تُعد ولاية ألاسكا واحدة من أكثر الولايات الأمريكية تفرّدًا من حيث الطبيعة والتاريخ والثقافة. تقع في أقصى شمال غرب قارة أمريكا الشمالية، وهي الولاية الأمريكية الوحيدة غير المتصلة ببقية الولايات جغرافيًا. تتميز ألاسكا بمساحتها الشاسعة، وتنوعها البيئي الغني، وسكانها الأصليين، فضلًا عن أهميتها الاقتصادية والعسكرية. ورغم طقسها البارد القارس وجغرافيتها الوعرة، تُعد وجهةً مميزة للباحثين عن المغامرة والطبيعة البكر.
الموقع الجغرافي والمساحة
تقع ألاسكا في أقصى الشمال الغربي من قارة أمريكا الشمالية، تحدّها كندا من الشرق، والمحيط المتجمد الشمالي من الشمال، والمحيط الهادئ من الجنوب والغرب. وتشترك بحدود بحرية مع روسيا عبر مضيق بيرينغ، الذي لا يتعدى عرضه 85 كيلومترًا في أضيق نقاطه. تبلغ مساحة ألاسكا حوالي 1.72 مليون كيلومتر مربع، مما يجعلها أكبر ولاية أمريكية، وتزيد مساحتها عن ضعف مساحة ولاية تكساس، ثاني أكبر ولاية.
السكان والديموغرافيا
يبلغ عدد سكان ألاسكا حوالي 730,000 نسمة، ما يجعلها من أقل الولايات كثافةً سكانية. العاصمة هي جونو، وتقع في جنوب شرق الولاية، ولكن أكبر مدينة من حيث عدد السكان هي أنكوريج، والتي تضم ما يزيد عن 40% من سكان الولاية.
يعيش في ألاسكا عدد كبير من السكان الأصليين، ويُطلق عليهم اسم الأسكيمو (الإينويت) والأليوت والهنود الحمر (أثاباسكان وتلينغيت وغيرهم)، ويشكلون حوالي 15% من إجمالي السكان. وتُعد ثقافتهم وتقاليدهم وممارساتهم من العناصر المميزة للولاية.
التاريخ السياسي والانضمام إلى الولايات المتحدة
في عام 1867، اشترت الولايات المتحدة ألاسكا من الإمبراطورية الروسية بمبلغ 7.2 مليون دولار، أي ما يعادل حوالي 2 سنت لكل فدان. وقد سخر الكثيرون في ذلك الوقت من الصفقة واعتبروها "حماقة وزير الخارجية ويليام سيوارد"، ولكن مع مرور الوقت، اتضح أن الصفقة كانت استراتيجية ناجحة جدًا بسبب الموارد الطبيعية الغنية لألاسكا.
انضمت ألاسكا إلى الاتحاد الأمريكي في عام 1959، لتصبح الولاية رقم 49.
المناخ والطبيعة
يختلف المناخ في ألاسكا من منطقة لأخرى، ولكن بشكل عام، تُعد الولاية من أبرد المناطق في الولايات المتحدة. في الشمال، يسود المناخ القطبي، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر لعدة أشهر. أما الجنوب والجنوب الشرقي، فيتميز بمناخ بحري معتدل نسبيًا، مع هطول أمطار وثلوج كثيف.
تحتوي ألاسكا على أكثر من 3 ملايين بحيرة، و100 ألف نهر جليدي، و17 من أعلى 20 قمة جبلية في الولايات المتحدة، بما في ذلك جبل دينالي (ماكينلي سابقًا)، وهو أعلى قمة في أمريكا الشمالية بارتفاع يصل إلى 6,190 مترًا.
تُعتبر الحياة البرية من أبرز ملامح ألاسكا؛ فهي موطن للدببة القطبية والبنية، والإلك (غزال الموظ)، والذئاب، والثعالب، والنمور البحرية، والحيتان، والنسور، وغير ذلك من الحيوانات النادرة. كما تضم الولاية ثروات نباتية هائلة، تتنوع من الغابات المطيرة إلى التندرا.
الاقتصاد
يعتمد اقتصاد ألاسكا بشكل كبير على الموارد الطبيعية، لا سيما النفط والغاز الطبيعي، حيث تُعتبر واحدة من أكبر الولايات المنتجة للنفط في أمريكا. يقع خط أنابيب "ترانس ألاسكا" الشهير على امتداد 1,287 كيلومترًا لنقل النفط من شمال الولاية إلى الجنوب.
تشمل الأنشطة الاقتصادية الأخرى:
-
الصيد البحري: خاصة السلمون وسمك القد والسرطانات.
-
التعدين: مثل الذهب والزنك والفضة.
-
السياحة: حيث يأتي الزوار للاستمتاع بالمناظر الطبيعية ومشاهدة الشفق القطبي والتزلج والرحلات البحرية.
تُقدم الحكومة إعانات سنوية للسكان من عوائد النفط، تُعرف باسم "صندوق ألاسكا الدائم".
الثقافة والمجتمع
الثقافة في ألاسكا مزيج بين التراث الأمريكي الحديث والتقاليد الغنية للسكان الأصليين. لا تزال الاحتفالات القبلية، ورقصات الطقوس، والنقوش على العظام والعاج، وفنون الحياكة والجلود، تحتل مكانة بارزة في حياة المجتمعات الأصلية.
تُعد ألاسكا أيضًا ملاذًا للفنانين والمصورين وعشاق الطبيعة، لما تقدمه من مناظر خلابة وأجواء ساحرة. كما تُنظم مسابقات فريدة مثل سباق "إيديتارود" الشهير لزلاجات الكلاب الذي يُقام سنويًا ويقطع المتسابقون فيه مسافة تتجاوز 1500 كيلومتر عبر الجليد والثلوج.
البنية التحتية والتحديات
نظراً لوعورة الجغرافيا وبعد المناطق، تُعد البنية التحتية في ألاسكا محدودة في كثير من المناطق. فالكثير من القرى والمجتمعات لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الطائرات الصغيرة أو الزوارق، ولا توجد طرق سريعة تربط أجزاء الولاية ببعضها البعض كما هو الحال في باقي الولايات.
ومن التحديات الأخرى:
-
التغير المناخي: الذي يهدد الأنظمة البيئية التقليدية ويؤثر على ذوبان الجليد البحري.
-
العزلة الجغرافية: التي تجعل كلفة المعيشة والخدمات مرتفعة نسبيًا.
-
محدودية فرص العمل في بعض القطاعات.
السياحة في ألاسكا
السياحة من أهم مصادر الدخل في ألاسكا. يُقبل الزوار من كل أنحاء العالم لمشاهدة:
-
الشفق القطبي.
-
المتنزهات الوطنية مثل دينالي وكاتماي.
-
الأنهار الجليدية.
-
رحلات السفن السياحية عبر الممر الداخلي.
-
مشاهدة الحيتان والدببة في بيئتها الطبيعية.
-
الثقافات القبلية والحرف اليدوية.
ألاسكا هي ولاية فريدة بكل المقاييس، تمتزج فيها الوحشية الطبيعية بالجمال الساحر، والثقافات القديمة بالحداثة، والتحديات بالمزايا الاستثنائية. ورغم برودة طقسها وصعوبة تضاريسها، تبقى ألاسكا أحد أكثر الأماكن إثارة وإلهامًا في العالم، وتجسّد بحق روح المغامرة الأميركية والتنوّع الثقافي والثراء البيئي.